حياتنا تشبه نصا غامضا كلٌّ يؤوله كما يشاء

جريدة الحرية الأربعاء 13 . 11. 2013
العدد 394

حياتنا تشبه نصا غامضا كلٌّ يؤوله كما يشاء
الروائية منى بشلم في حوار لـ "الحرية":
أنظرُ للحركة الإبداعية في الجزائر بكثير من التفاؤل

ماذا عن العلاقات الإنسانية في عصر الإنترنيت؟ كيف هو الحب عبر الشبكة الزرقاء؟ والصداقة هل مازالت متينة أم أنّها تلوّنت بصبغة افتراضية فرضها "مارك زوكربيرغ" على مستخدمي الفايسبوك؟ أين وصلت الحركة الإبداعية في الجزائر؟ وأيّ عراقيل يُواجهها الجيل الجديد من الكُتّاب؟ هي أسئلة وأخرى أجابت عنها الروائية منى بشلم في حوار خصّت به "الحرية" بعد مشاركتها في الطبعة الـ 18 للصالون الدولي للكتاب بآخر إصداراتها عن منشورات الاختلاف الجزائرية وضفاف اللبنانية "أهداب الخشية".
 حققت روايتك الأخيرة "أهداب الخشية" مبيعات معتبرة في الطبعة الـ 18 لصالون الكتاب، كيف كان إقبال القراء عند تواجدك لتوقيع بدار الاختلاف؟ 
للتوقيع ينتظر الكاتب حضور أصدقائه ليهديهم نصه الجديد مرصعا، لكن ما حصل كان مفاجأة جميلة؛ حيث توافد قراء من مختلف جهات الوطن، وجدتهم يحوّطون حضوري بهالة المحبة، بعضهم زملاء يشتغلون على نصوصي، اغتنموا الفرصة لمحاورتي ولو على عجل. سررت كثيرا وهم يخبرونني أن نصوصي تدرس أكاديميا ضمن رسائل دكتوراه كان ذلك فرحا شفافا أضاء روحي؛ ففي النهاية، هذا تقدير لجهد الكتابة، بدون أي اعتبار آخر. 
كان إلى جانبهم، قراء عاديون سألوا خاصة عن العنوان، أصدقاء من الفايسبوك تعرفوا على الرواية من خلال بعض المقاطع التي كنت أدرجها من حين إلى آخر. أما القارئ الذي علِق بذاكرتي فهو مهندس معماري قال لي إنه لا يقرأ باللغة العربية أبدا، غير أنه علم بجمال لغتي ويرغب باكتشافها بنفسه. 
طرحت من خلال "أهداب الخشية" إشكالية الفايسبوك والحب الافتراضي، كيف جاءتك الفكرة؟
مهتمة جدا بما يدور حولي، أحاول القبض على الحياة في لحظتها الحالية للكتابة عن أهم ملامحها، والعلاقات الافتراضية واحدة من أهم سمات العصر، كان الهدف هو إلقاء الضوء عليها بشكل مرهف بدون كثير من التعمق، حتى لا تضيع القصة وسط زخم الرصد، فكان الحديث عن الحب من خلال الفايسبوك كونه ظاهرة انتشرت بشكل واسع بين مختلف الفئات العمرية، كما تطرقت للصداقة المتينة وإن كانت افتراضية، رغبة مني في إلقاء ضوء مرهف على المشاعر الإنسانية في هذا العصر. 

مدينة قسنطينة أو "قسمطينة" حاضرة بقوّة في الرواية، ما السّر في ذلك؟
قد يكون أبسط سبب هو كونها مدينتي التي نشأت بها وبها عشت أجمل وأوجع الأوقات ربما لأني أيضا من عشاق المكان، للأماكن تأثيرها الساحر على نفسي، وقسنطينة بكل ما هي مدينة حفرت لنفسها عرش عشق بقلبي، وتسربت لتنطبع على لغتي ونصوصي.

طريقة تصوير المشاعر في روايتك الأولى "تواشيح الورد" كانت واضحة وصريحة عكس الحب المختفي والمكبوت في أعماق شخصيات "أهداب الخشية"، هل كان هذا الاختيار عن قصد أم فرضته الحاجة؟
هي اختيارات مقصودة، في "تواشيح الورد" الصلة بيّنة ووجه الحقيقة غائب مما جعل الشخصيات تتقلب بين اليقين والشك. وعلى امتداد النص، كان القارئ يكتشف قوة العاطفة ويطرح جملة من الأسئلة حول قضايا متعددة. 
في "أهداب الخشية ـ عزفا على أشواق افتراضية" ينتقل الشك لقلوب الشخصيات، أما وجه الحقيقة فيبدو واضحا في البداية ومع إتمام القراءة يكتشف القارئ أنه كان يسبح وسط أوهام وأن ما عليه هو اكتشاف الحقيقة المختفية وراء كل تلك الأحداث، وعليه أيضا أن يعيد تركيب النص مجددا، في أهداب الخشية تركت مساحات كبيرة للقارئ، لأني أعتقد أن حياتنا في هذا العصر تشبه نصا غامضا كل يؤوله كما يشاء، وعلى قارئي معاملة نصي كما يعامل هذا العصر ـ يكتشف حقيقته بنفسه.

بين "تواشيح الورد" و"أهداب الخشية" إلى من تميل منى؟
سؤال صعب، ربما لا إجابة له، بالنسبة إلي كلاهما أنا..الأنا الفنية التي رسمت معالمها في ذهني، وشرعت بتجسيدها من خلال النصوص، هناك مشروع واضح المعالم في ذهني يتضمن، كما أسلفت قبل قليل، التطرق إلى لسمات الحياة في هذا العصر، ويتضمن، كما لاحظت في سؤالك السابق، التطرق إلى المشاعر الإنسانية على اختلافها، واختلاف حالاتها أيضا، لذلك كل نص جديد هو لبنة أخرى تدعم الفكرة الأساسية، عن مشروعي في الكتابة، هذا المشروع الحلم الذي أكتب لأجل تحقيقه.

المسحة الرومانسية تطغى على كتاباتك، ما هي المدارس الفكرية والأدبية التي تأثرت بها؟ ولمن تقرأ منى؟
أحاول الاستفادة قدر الإمكان، من كل التوجهات، القراءة لأدباء من مختلف المدارس، أهتم كثيرا بالأدب العربي والجزائري بشكل خاص، أحاول الإطلاع على كل الجديد في مجال الرواية خاصة من أجل رسم معالم هذا الجنس وتغيراته مع كل نص جديد، وتكوين فكرة تقريبية عن كل ذلك، ومقارنتها بما أطالعه من آداب عالمية، لكن أن أفكر في الانطواء تحت مدرسة أو توجه معين لا، لا أفكر بذلك بل على العكس تمام، أبحث دوما عن الخرق والخروج عن السائد، احتراما للقارئ، حتى أقدم له ما يستحق اهتمامه، ويثري ويمتع ذائقته. 

كيف تقيّمين الحركة الإبداعية عامّة وأدب المرأة خاصّة في الجزائر؟
لن أقيّم.. لكني أنظر لها بكثير من التفاؤل العام الماضي افتتح الموسم الأدبي بـ 21 رواية جديدة. إن لم تخني الذاكرة، تعود 4 منها لكاتبات. هذا العام أيضا، هناك عدد معتبر من الإصدارات سواء في مجال الرواية أو غيرها، وهو تراكم وتنوع هام، يدعو للتفاؤل خاصة وأننا أمام جيل روائي جديد يدعم سابقيه، ويمثل استمرارية حتى وإن كانت بملامح واهتمامات مختلفة، يبقى الأهم هو متابعته نقديا، ولإبراز الجماليات الجديدة التي تتشكل ملامحها مع هذه الكتابات الجديدة. 

في نظرك، ما هي العراقيل التي قد تواجه المبدعين الشباب؟
امتدادا للحديث السابق عن دور النقد، قد تكون من أهم ما يطرح بخصوص النصوص الجديدة أو كتابات الشباب، هو موقف النقد الذي ـ حسب ما لاحظت من خلال متابعتي للحوار حول الرواية الموسم المنفرط ـ تأرجح موقف النقاد بين تجاهل النص الجديد أو رفضه، انطلاقا من معايير معينة لا أعترض عليها طبعا، غير أنها هي موضع النقاش نفسها. 
من جهتي، أرى أن كل نص جديد لابد من معاملته بذهنية صافية، والبحث عن جمالياته وعيوبه أيضا بكل موضوعية، والأهم هو البحث عمّ ورواء هذه الظواهر الفينة التي نرصدها فيه، أنا هنا لا أحاول القول إن كل النصوص الجديدة جيدة ولكن لابد من تعميق النظر في الظواهر الجديدة.. هذا أمر يشغلني كثيرا. 
عودة إلى مشكلات الشباب، قد تكون أصعب مشكلة هي النشر رغم كل التسهيلات التي استجدت ما تزال مشكلة النشر قائمة وتعيق الكثير من الكتاب.

هل تفكّر منى في مواصلة الكتابة لقرائها؟ لاسيما بعد نجاح روايتي "تواشيح الورد" و"أهداب الخشية"
لا يمكن أن أنكر أن النجاح الذي حققته "تواشيح الورد" كان دافعي الأقوى لمراجعة "أهداب الخشية" ومن ثمة نشرها، وهي بدورها شكلت حافزا للشروع بنص جديد، وبالفعل باشرت التخطيط لنص جديد، قد تأخذ مني كتابته سنتين على أقل تقدير، لكني أوقفت هذا المشروع الروائي وأجلته قليلا أو بالأحرى كثيرا، لأمنح نفسي فسحة لتأمل النتاج على قلته. وحين أعود للكتابة، أعد قرائي بمفاجأة آمل أن تسرهم كثيرا. 
حاورتها: أمال بابا

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

د.رابح طبجون : اللغة في رواية تواشيح الورد لمنى بشلم

منى بشلم في حديث لـ "العرب اليوم" لغتي الشاعرية تزاوجت بقصة حبّ افتراضية

قراءة في قصة "سراديب القدر"