أسئلة عن مسارات الرواية بعد ربيع العرب


كراس الثقافة - يومية النصر
لثلاثاء, 23 أكتوبر 2012

كانت البداية مع رسم الواقع أو محاكاته ، ثم تحرر الفن شيئا فشيئا ، و دون دخول في تفصيلات مسارات التفكير والإبداع الإنساني ، أقترب مباشرة من عصرنا من روايتنا الرواية العربية التي استعارت ملامح الواقعية لترسم روائعها الأولى ، ثم تشظى واقعها على النكسات التاريخية ، و الخيبات سواء خيبة الجماهير ، أو خيبة الطبقة المثقفة ، و أنا هنا أفصل بينهما عامدة لأن ما انتظرته الفئتان و إن كان ظاهريا هو الحلم ذاته إلا أن المسار الذي ابتغته الشعوب كان مختلفا عن رؤيا مثقفيها و مبدعيها. 
هنا تدخل الرواية مرحلة جديدة تشظى فيها الشكل ،تفتت النص ، غابت الإرادة الإنسانية ، هيمنت الرؤيا العبثية و طغى الإحساس بالضياع ...و غيرها كثير من ميزات النصوص التي كتبت بعد النكسة بشكل عام ، كان إذن تجديد في جسد النص – تجاوزا –  من منطلق أن الشكل يعبر عن حال الإنسان و حال المجتمع  بشكل قوي ، أن الشكل بعبارة أدق "دال". 
مات الإنسان إذن متأثرا بعمق خيباته، أفلت المبادئ و الشعارات ، انتهى الأمل ، سقطت الإرادة في عبثية الأقدار التي تتلهى بنا. كتبت الرواية ساخرة من ذاتها ..من فنياتها ، و من عظمة الفن ذاته ، كتبت الميتارواية، و كتبت الروايات المفتتة ، ارتقى - و أضع الفعل بين قوسين حادين- الفن مبتعدا عن جمهوره الذي كتب له ، متأثرا و هذا لا يخفى على أحد بالتيارات الفنية الغربية. 
اليوم ..تصحو الإرادة الإنسانة في العربي الذي كسرته الحوادث، ليتخذ قراره  - حتى إن وضعنا القرار بين قوسين حادين أيضا – و يشعل ربيعه.. ربيع زحزح الموت صمتا، و أسقط الصمت حتى و إن كان ثمن السقوط هو الدم ..حتى و إن كان الغد باهت المعالم. هل سيقرأ هذا الحي أدبا مات كاتبه بقرار نقدي ، هل سيقرأ هذا المقرر نصوص العبثية القدرية، ماذا يتوقع هذا القارئ الجديد ، المثقل بتاريخ من الخيبات و النكسات ، و المنتشي بانتصاره على ذاته و مآسي الأمس.
أول السؤال أمس أيضا هل سيرضى و قد ارتقى نحو دلالة الشكل و الكتابة عبر نوعية ، و تداخل الأجناس الأدبية بالتنازل عن هذه المنجزات في المسار التطوري للنص، حتى و إن كانت بقايا من عهد يود التخلص منه ، إن كانت الإجابة بالإجاب فهل سيتسمر مستمتعا بنص مفتت كحياة تشظت على ناصية الخيبة ، هل مازلنا في حاجة إلى التجديد الشكلي بعد أن بالغ النص - و لن أقول الروائي لأن ما يهم هو النص لا غير- في التجديد الشكلي إلى حد يعترف فيه القارئ أنه لا يفهم ما يقرأ ، و يقر فيه الروائي أنه يكتب للأكاديميين، ألا يستحق القارئ غير المتخصص بعض المراعاة ، و هل مراعاته تعني التنازل .. إنها مجرد أسئلة، لا أملك الإجابة عنها، و لا أظن غيري يملك، مع احترام شديد لخصوصية كل إنتاج إبداعي و رؤيا فنية. 
بحثا عن بعض الإشارات على طريق الغد لنتأمل اليوم ، الاختيار الحر – بين قوسي النظرة البريئة – لشعوب الثورات تونس ، مصر مثالا اتجه صوب التيارات الاسلامية ، لن نناقش الأمر سياسيا فهذا لا يهم ، بل أطل عليه من زاوية أخرى ، لنحاول رؤية ما يرغب به جمهور عاش القهر لعقود ، لماذا يختار الإسلاميين ، أقرؤها عودة للإسلام فكرة لا أشخاصا ، أقرؤها بحثا عن الذات ، عن مقومات و هوية الذات العربية التي انسلخت منها منذ عقود الخيبة والنكسات، والتي طمستها النظريات و الرؤى المستوردة من بلدان لها هويتها الخاصة و المتميزة، التي ليس علينا أن نشبهها. عودا للسؤال هل سيكتب لهذه الذات أدب استقى أشكاله من هوية مختلفة، هل ستستمر الكتابة بتغذية الروح الجديدة بقوالب مستوردة ، أم أن الرواية ستتفطن لضرورة التجديد المضامين ، ليس للتماشي مع السائد الجديد و لكن لتعميق النقاش حول الواقع الجديد، و بناء قارئ جديد يكون في مستوى انسان ما بعد الثورة، تفاديا لأخطاء الثورات السابقة.


http://www.annasronline.com/index.php?option=com_content&view=article&id=41359:2012-10-23-17-19-50&catid=38:2009-04-13-14-11-00&Itemid=50

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

د.رابح طبجون : اللغة في رواية تواشيح الورد لمنى بشلم

منى بشلم في حديث لـ "العرب اليوم" لغتي الشاعرية تزاوجت بقصة حبّ افتراضية

قراءة في قصة "سراديب القدر"