احتراق السراب لمنى بشلم - جردة النصر



احتراق السراب لمنى بشلم

قصص تغوص في المستور وتكشفت الحجب بجرأة

كراس الثقافة - جريدة النصر الاثنين, 17 سبتمبر 2012

يقلم البروفيسور : خليل شاكر الزبيري


الأديب هو الذي يختزل الزمان والمكان في إبداعاته مخترقا الحدود ومحطما القيود للوصول إلى حد الحرية المطلق متمردا على واقع العبودية وسجن التقاليد التي تقف حائلا أمام انطلاقاته الفكرية والأدبية. والأديبة المبدعة منى بشلم في مجموعتها القصصية: "احتراق السراب" عبرت عن خلجات نفس تواقة للحرية والعشق الأبدي، لإنسانية الإنسان الذي قبع في صيرورة الجمود والركود لا يرنو للتطور ولا يطمح للإبداع. نقلتنا الأديبة منى بشلم من صورة رائقة في مجموعتها إلى صورة أخرى كمن ينتقل من مرج مخضوضر إلى آخر اشد غناءً ورواء. فهي تغرف من ثقافة عربية إسلامية عززتها مطالعات في آداب اللغة العربية وفي بطون كتب التاريخ، فهي الأستاذة الجامعية والأديبة والباحثة في عالم الأدب والمخيال الفكري. فعبر "احتراق السراب" حلقت بنا في عالم مثالي ينأى بامتهان الحب والمودة إلى سمو المشاعر التي تحتضن الإنسانية وتعانقها أحاسيس الخلود الأبدي. وذكرتني أفكار أديبتنا منى بشلم بأبيات من قصيدة زفر بها الشاعر بلند الحيدري في غربته فهو يقول: "هذا أنا ملقى هناك حقيبتان/ وخطى تجوس بلا قرار، من ألف ميناء أتيتُ/ ولألف ميناء أصار، وبناظري ألف انتظار". وتنتقل بنا على جناح "رسائل ألف عام خلت" في مناخ فلسفي أخاذ مكسرة أفكار الابتذال البالية وصاعدة في أحاسيس العلاقات الإنسانية نحو السمو، فهي ترنو للعفاف والحياء المتبتل في لبوس الطهر والقداسة. وكأني أمام محراب الشاعر إلياس أبو شبكة في رائعته: غلواء. تهمس منى بحسرة إلى بقايا الرمز الذي يعادل الحياة فينكفئ الميزان وتموت الكلمات عندما ينهزم الحب: "ها نلتقي...أتعثر بأشلاء العابرات بعدي وقبلي". لقد غاصت الأديبة منى في المستور وكشفت الحجب بجرأتها، فالرجل دائما ينظر للمرأة بعين ضيقة بأنها فريسة سهلة لنزواته من باب ذكوريته فهو يعتمد على تصور التقاليد الأبوية السلطوية ومحاولات تفسير التراث العربي الإسلامي اعتباطيا هدفها الحط من قيمة المرأة كقيمة إنسانية. تحاول الأديبة منى كسر قيود التقاليد التي صنعناها نحن وحافظنا عليها لأنها تؤمن لنا رغباتنا ومحكوميتنا على التركيبة الاجتماعية. فالأديبة بنت مجتمع عربي إسلامي لا تريد أن تكون جان دارك العرب والمسلمين ولكنها صوت شجاع في عالم مملوء بالمتناقضات، فكل النجاح والتوفيق أتمنى للأديبة منى ولهذه المجموعة القصصية الطافحة إنسانية.
للإشارة "احتراق السراب" لمنى بلشم صدرت في الجزائر عن منشورات الاختلاف وضمت بين طياتها 9 قصص توزعت على 80 صفحة، تناولت خلالها جملة من المواضيع المتفرقة، التي كتبت بعضها في مرحلة الجامعة والبعض الآخر في أعقاب السنة الجارية، كانشغالات النساء، الحب، مسألة القدر ومعاناة المرأة، إلى جانب حضور مدينة قسنطينة في واحدة منها.

 شاعر وناقد عراقي مقيم في بروكسل

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

د.رابح طبجون : اللغة في رواية تواشيح الورد لمنى بشلم

منى بشلم في حديث لـ "العرب اليوم" لغتي الشاعرية تزاوجت بقصة حبّ افتراضية

قراءة في قصة "سراديب القدر"